مائدة عيد الميلاد... من المنظار النفسي
د. أنطوان الشرتوني
Monday, 19-Dec-2016 00:09
هذا الأسبوع يحتفل الجميع بعيد ميلاد السيّد المسيح. خلال هذه المناسبة، يتشارك المحتفلون كثيراً من النشاطات الإجتماعية مثل تبادل الهدايا وتنظيم مأدبة الغداء أو العشاء وزيارة المُسنّين في العائلة ومساعدة الفقراء، وغيرها من النشاطات التي تفوح منها روحانية هذا العيد المجيد. ومن أهمّ مظاهر العيد، غير الصلاة ومساعدة الآخر، مشاركة العائلة الكبيرة في عشاء العيد، هذا العشاء الذي يكون غنياً بالأطباق اللذيذة والدسمة. فما أهمية هذه المشاركة؟ وكيف يفسّر علم النفس الإجتماعي هذه الظاهرة المألوفة والتي تتكرّر كلّ سنة وينتظرها جميع أفراد العائلة؟
تَشارُك العائلة مائدة الطعام هو حاجة أساسية لتوازنها النفسي، ومن المعروف أنّ العائلات التي تتشارَك تناول طعام الغداء أو العشاء يومياً، تتميّز بترابط قوي بين مختلف أعضائها. إذاً، تكمن أهمية مشاركة الطعام ليس فقط في تناول الأطعمة الصحية والغنية بالمعادن والفيتامينات، ولكن أيضاً بأهميتها النفسية.

الطعام مع الأسرة

إنّ تناول الطعام مع الأب والأم والاخوة والاخوات هو ميزة ممتعة، فاللقاء حول المائدة لمشاركة الأطباق والتحاور غالباً ما يكونا شَيّقين. ومن المعروف أنّ الأبناء بحاجة لوالديهما أكثر من حاجتهم للطعام. لذا، من الضروري تواجدهما معاً حول المائدة إلى جانب الأبناء.

يعتبر علم النفس الإجتماعي أنّ تناول الطعام مع الأسرة هو مؤشّر على قوة العلاقة ما بين أعضائها وقوة التواصل فيما بينهم. وبالتالي، إنّ غياب هذا المؤشر يمكن أن يفسّر بضعف العلاقة بين أفراد العائلة. وخلال الأعياد، تتناول العائلة مجتمعة الطعام في جو مليء بالغبطة والسعادة والسرور.

وعلى رغم إيجابية هذا الجو، نلاحظ أنّ بعض الأفراد، وخصوصاً من الفئة العمرية الشابّة، يتهربون من هذا اللقاء العائلي الذي يستدعي التواصل والحوار مع الآخرين.

في ما يلي الأشكال للهروب من تناول الطعام مع الآخرين:

• إبلاغ الآخرين بعدم الرغبة في الأكل من خلال تكرار عبارات: «لست جائعاً»، «لا أريد أن آكل»...

• إنتقاد الأطباق الموجودة على مائدة الطعام.

• التحجّج بالانشغال مع الأصحاب والأصدقاء، ونرى هذا النوع من الحجج عند المراهقين.

• إدّعاء المرض أو التعب.

ليلة العيد... ليلة مشاركة العائلة الطعام

بدأت ربّة المنزل بتحضير الطعام وأشهى الأطباق التي يحبّها أفراد عائلتها لليلة الميلاد، وتكمن أهمية هذه المشاركة بالنقاط التالية:

• يفرح الطفل لمشاركته ليلة الميلاد مع العائلة، ويتعزّز شعوره هذا عندما يطلب منه الوالدان مساعدتهما في تجهيز سفرة الطعام قبل تناول الوجبات وبعده. فمن خلال ممارسة أدوار حياتية وتقديم المساعدة، يشعر الطفل بالإنتماء لعائلته.

• تقوّي مشاركة الطعام مع العائلة المفاهيم الإجتماعية عند الأولاد، ومنها حبّ الآخر واحترامه وتقديم المساعدة للمحتاجين، ومشاركة الطعام مع الاخوة والأخوات...

• إلتقاء جميع أفراد العائلة وتبادل الأفكار والمشاعر. وفي بعض الأحيان، يأتي بعض الأشخاص من خارج البلاد للقاء العائلة في هذه الليلة المباركة.

• تحقيق الإستقرار النفسي والعاطفي في النفوس.

• تقوية العلاقات العائلية من خلال مناقشة المواضيع المهمة بين مختلف فئاتها العمرية.

• تعزيز الإحساس بالإنتماء ما يَدفع جميع أفراد العائلة للشعور بالأمن والثقة بالنفس.

• خلال مشاركة الأهل تناول الطعام مع أطفالهم، يتعرّفون الى نفور الصغار من بعض الأطباق ويعملون على تعديل هذا التصرف بعادة صحية مقبولة.

ولكن دائماً ما يعبّر بعض الأطفال عن عدم الرغبة بمشاركة الآخرين تناول الطعام في العيد.

كيف نشجّع الأطفال على المشاركة خلال الأعياد؟

أولاً، منذ الصغر، يجب أن يَحضّ الأهل أطفالهم على حضور جميع النشاطات الإجتماعية، ومنها تناول الطعام سوياً وعدم البدء بالوجبة قبل اكتمال كلّ أعضاء العائلة.

ثانياً، طلب مساعدة من أفراد العائلة في تحضير بعض الأطباق البسيطة، كالسلطة مثلاً. فعندما يشارك الطفل بإعداد الطعام، سيشعر بقيمة الأكل والعائلة.

ثالثاً، من المهم اختيار أنواع الأطباق التي ستحضرّها الأم خلال الأعياد من قبل كلّ أعضاء العائلة، فمن المفترض أن تسأل الأم أطفالها الصغار أيّ نوع من الأطباق يريدون أن يأكلوا؟ وبذلك يجذب الوالدان الطفل إلى هذه «الجَمعة» العائلية.

رابعاً، يجب أن يكون وقت الطعام للإستمتاع بلذة الأطباق، بعيداً من المشاجرات والصراخ والتأنيب.

خامساً، يمكن للأهل وضع موسيقى هادئة خلال الغداء، أو إدخال جو من المرح أثناء الأكل من خلال طرح الأسئلة وإطلاق النكات...

وأخيراً، يجب الابتعاد عن كل مظاهر التكنولوجيا التي تعيق الحوار والتسلية بين مختلف أفراد العائلة. لذا، على الجميع، ومهما كانت انشغالاتهم ووظائفهم ومسؤولياتهم، الابتعاد عن أجهزة الهواتف الخلوية وألعابها وعن الجرائد والأيباد وكل أشكال التكنولوجيا، والتفرّغ لشيء واحد هو الحوار.
الأكثر قراءة